التعلق المرضي: عندما تصبح العلاقات سجونًا عاطفية

Posted on
التعلق المرضي

اضطراب التعلق المرضي هو حالة تنشأ عندما عندما يصبح الفرد معتمدًا بشكل مفرط وغير صحي على شخص ما، إلى درجة تجعله غير قادر على التكيف أو الاستغناء عن هذا الشخص، مما يؤثر سلبًا بشكل كبير على جودة حياته وعلاقاته الشخصية. 

في بداية الأمر، يظهر هذا النوع من التعلق بشكل غير مؤذٍ، حيث يشعر الفرد بحُب قوي وارتباط وثيق تجاه شخص معين. ولكن، مع مرور الوقت، قد يتحول هذا الحب إلى عبء ثقيل، مما يسبب الأذى لكلا الطرفين. 

غالبًا ما ينشأ التعلق المرضي نتيجة تجارب سابقة تركت أثرًا سلبيًا داخل الفرد مثل الهجر والفقد، مما يجعله يتمسك بشدة بشخص معين دون أن يشعر، في محاولة منه للشعور بالأمان والاطمئنان بأن هذا الشخص لن يبتعد عنه أو يتركه.

في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل مفهوم التعلق المرضي، ونستكشف الأبعاد المختلفة لهذه الحالة النفسية، بدءًا من التعرف على الأعراض والفرق بين التعلق والحب، وصولًا إلى وسائل التعافي، بهدف التمتع بعلاقات أكثر صحة يسودها الاتزان والسعادة.

فهم مصطلح التعلق المرضي

هل مر عليك شخص من قبل ووجدت أن راحتك وسعادتك يتوقفان عليه بشكل كبير؟ إذا شعرت بذلك، فقد تكون تعاني من التعلق المرضي.

التعلق المرضي هو حالة نفسية تتسم بالاعتماد الشديد غير الصحي على شخص معين، قد يكون هذا الشخص أحد أفراد أسرتك، أو صديقًا لك، أو شريك حياتك. هذا التعلق يجعلك تعتمد بشكل تام على هذا الشخص في كل أمور حياتك، ويجعل إشباع حاجاتك النفسية والعاطفية مرتبطًا به، إلى الحد الذي يجعلك غير قادر على العيش بدون هذا الشخص، مما يُضعف استقلالك العاطفي والنفسي بشكل ملحوظ.

دلالات تفيد بأن تعلقك غير صحي

هناك علامات كثيرة، عزيزي القارئ، إن وجدت نفسك تمارسها أو تشعر بها، عليك التوقف فورًا ومراجعة الطريقة التي تتعلق بها بالآخرين، ومنها:

1- خضوعك الكامل للطرف الآخر

أي أنك تلغي شخصيتك تمامًا وتتخذ من شخصية الطرف الآخر نموذجًا لك، متنازلًا عن احتياجاتك ورغباتك الشخصية كي تتوافق اهتماماتك مع اهتماماته. على سبيل المثال، قد تضحي بعملك والأنشطة التي تحبها وتستمتع بها لتتماشى مع اهتماماته.

2- عدم مراعاتك لخصوصيته 

وذلك من خلال رغبتك في التحكم بالأنشطة التي يمارسها الطرف الآخر وفرض سيطرتك عليها. قد يصل الأمر أيضًا إلى التجسس على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة كل فعل يقوم به وكل شخص يتحدث معه.

3- الغيرة الزائدة عن الحد

تتمثل في الشعور بالغيرة الشديدة حتى في المواقف البسيطة التي لا تستدعي ذلك، ورغبتك في تملك الطرف الآخر والاستحواذ عليه، ورفضك لعلاقاته وصداقاته.

4- عدم تقبلك للنقد والرفض

أنت لا تتقبل نقد الطرف الآخر لك بأي شكل من الأشكال، حيث تعتبر أي نقد يُوجه إليك تهديدًا للعلاقة. وأنت لا تستطيع مجرد تخيل فكرة الانفصال عن هذا الشخص، مما يجعلك حساسًا بشكل مفرط تجاه أي تعبير منه عن عدم الرضا.

5- شعورك بالفراغ عندما لا تكون معه

اعتمادك على الطرف الآخر كمصدر وحيد للسعادة والراحة، وحصر حياتك في حياته، قد يصل بك للانعزال. ذلك لأنك تركز طوال الوقت على الطرف الآخر فقط وعلى كافة تفاصيل حياته، مما ينعكس على علاقتكما بشكل سلبي، لأنك لا تعطيه مساحة كافية للتنفس، وعندما يبتعد عنك ولو قليلًا، تجد نفسك بلا حياة.

6- شعورك بالقلق والتوتر المفرط

ينجم هذا الشعور عن خوفك الدائم من فقدان العلاقة، لأنك لا تستطيع الاستغناء عن كل ما يقدمه لك الطرف الآخر، ولا تستطيع تلبية تلك الاحتياجات بنفسك.

7- المثالية المفرطة

أنت تُعامل الطرف الآخر وكأنه ملاك لا يخطئ، حيث ترفض الاعتراف بأنه شخص مثل أي شخص آخر لديه عيوب مثلما لديه مميزات، قد يصل الأمر إلى أنك تُبرر له وتلتمس له الأعذار حتى عندما يخطئ في حقك.

التعلق والحب: ما الفرق بينهما؟

لأن التعلق والحب هما مشاعر قوية قد تكون محيرة في بعض الأحيان. سأوضح لك الآن، عزيزي القارئ، الفروق الجوهرية بينهما كي تتمكن من تصنيف مشاعرك وتضعها في مسماها الصحيح.

بدايةً، التعلق في جوهره هو شعور بالاحتياج والنقص، ويكون مدفوعًا بالأنانية والرغبة في السيطرة. في المقابل، الحب الحقيقي ينطوي في جوهره على الحرية، لأنه يتيح لك فرصة للنمو الشخصي، وهو شعور يقوم على الاحترام والتقدير المتبادل، مما يعزز شعورك بالسعادة والأمان. بشكل أكثر تفصيلًا، دعني أُجري لك مقارنة بسيطة بينهما حتى تتضح لك الفكرة أكثر.

القلق مقابل السكينة

التعلق: تجد نفسك دائمًا تسعى للتأكد من مشاعر الطرف الآخر تجاهك، ومن إذا ما كان يريد لعلاقتكما الاستمرار أم لا، بسبب أن لديك قلقًا مفرطًا من فقدان هذا الشخص.

الحب: تجد نفسك مطمئنًا وواثقًا من مشاعر الطرف الآخر تجاهك، حيث تكون تصرفاته خير دليل على ذلك، ولا يكون لديك تساؤل حول ما إذا علاقتكما ستستمر أم لا.

الواقعية مقابل المثالية

التعلق: ترى الطرف الآخر وكأنه ملاك بلا عيوب، حتى وإن كانت تصرفاته سامة معك. عقلك يرفض فكرة أن هذا الشخص مثل باقي الأشخاص، يُخطئ أحيانًا ويُصيب أحيانًا أخرى.

الحب: ترى الطرف الآخر بعين واقعية، وتقبله كما هو، بنقاط ضعفه وقوته، وتفكر ما إذا كان بإمكانك التعايش مع تلك العيوب أم لا، دون إنكار وجودها.

التبعية مقابل الاستقلالية

التعلق: تعتمد بدرجة كبيرة جدًا على الطرف الآخر كي يُشبع لك حاجاتك النفسية والعاطفية، ولا تستطيع الاستغناء عنه حتى تشعر بالسعادة والأمان.

الحب: تعتمد على نفسك بشكل أكبر في إشباع حاجاتك، وتتمتع باستقلالية وحرية كبيرة، بدلًا من الاعتماد الكلي على الطرف الآخر.

الاحتياج مقابل العطاء

التعلق: شعور مبني على النقص والاحتياج، حيث تكون مسؤولية الطرف الآخر هي إشباع هذا الاحتياج. يغلب عليه الأنانية والرغبة في التملك.

الحب: مشاعر غير مبنية على الاحتياج، بل هو عطاء متبادل بين الطرفين، يغلب عليه الإيثار بدلًا من الأنانية.

اللحظية مقابل الاستمرارية

التعلق: عمره الزمني قصير ومؤقت، فهو يزول بمجرد زوال السبب الذي أدى إلى التعلق منذ البداية.

الحب: عمره طويل، لأنه لا ينشأ من البداية لمجرد إشباع حاجات معينة، بل يستمر رغم العوائق والتحديات.

ست خطوات لتحسين تعلقك بالآخرين وجعله صحيًا وآمنًا

كي تتعافى من التعلق المرضي، يتطلب الأمر وعيًا واعترافًا بوجود المشكلة، واستعدادًا حقيقيًا للتغيير. وأنا هنا لمساعدتك، عزيزي القارئ، في فهم الخطوات التي يجب عليك اتباعها حتى تجعل تعلقك بالآخرين أكثر أمانًا وصحة.

  • ضع يدك على الأسباب التي أدت بك إلى التعلق المرضي

معرفتك للأسباب تسهم بشكل كبير في رحلة تعافيك، لأن الطريق أمامك سيكون أكثر وضوحًا إن كنت تعرف السبب جيدًا. على سبيل المثال، إذا كنت شخصًا اتكاليًا في حياتك الشخصية، وتعتمد على الآخرين في إشباع حاجاتك واتخاذ قراراتك، فسيجعل هذا تعلقك بالطرف الآخر غير صحي، لأنك ستعتمد عليه بشكل مفرط في كل جانب من جوانب حياتك. كما أن خوفك من الوحدة قد يدفعك للبقاء في علاقات غير صحية، لمجرد تجنب الشعور بالوحدة. أيضًا، من الأسباب التي قد تؤدي بك إلى التعلق المرضي، حاجاتك النفسية والعاطفية التي لم تُشبع في فترة الطفولة والمراهقة، مما يجعلك تقع فريسة لعلاقات غير صحية، ظنًا منك أنك ستجد بها ما افتقدته من قبل. لذا من المهم جدًا أن تبحث عن الأسباب الحقيقية وراء تعلقك المرضي بالآخرين، حتى تتمكن من علاج المشكلة من جذورها.

  •  وطد علاقتك بنفسك وحرر مشاعرك المكبوتة

من المهم أن تبني علاقة قوية وصحية مع نفسك، وذلك يتم من خلال فهمك وتقبلك وتقديرك لنفسك بالشكل الصحيح، والعمل على تعزيز ثقتك وتطوير مهارات الاستقلالية لديك. كل هذا يجعلك تعتمد على نفسك في الشعور بالأمان والراحة، وبالتالي تصبح أقل عرضة للإصابة بالتعلق المرضي بالآخرين. 

من ناحية آخرى، لتحرير مشاعرك دور كبير في تعافيك من التعلق المرضي. يعني ذلك أن تكون قادرًا على التعرف على مشاعرك والتعبير عنها بطرق صحية، حيث أن كثيرًا من الأفراد الذين يعانون من التعلق المرضي يكبتون مشاعرهم أو يعتمدون على الآخرين للتعبير عنها. من خلال تحرير هذه المشاعر ومعالجتها، ستتمكن من تحقيق توازن عاطفي أفضل، مما يساعدك على التعامل مع العلاقات بشكل أكثر صحة واستقلالية.

  • أعِد بناء صورتك الذاتية

ابنِ نظرة إيجابية عن نفسك، عزيزي القارئ، فاعتقادك بأنه من الصعب على الآخرين أن يحبونك يمكن أن يكون سببًا في التعلق المرضي. 

عندما تتعامل مع شخص ما وتجد أنه يُعاملك بالشكل الذي تريده من حب وتقدير واهتمام، لا تستكثر هذه المعاملة على نفسك. لأن نظرتك بأنك لا تستحق هذه المعاملة هي ما تجعلك تتعلق بشكل مفرط بالآخرين. عندما تتعلم أن تُقدر قيمتك وتثق بنفسك بشكل كامل، ستكون قادرًا على تجاوز تلك النظرة الدونية لذاتك، وستبني علاقات صحية تستند إلى الاحترام المتبادل والتفاهم.

  •  ابنِ لنفسك كيان مستقل بعيد عن الطرف الآخر

بنائك لكيان مستقل بعيد عن الطرف المُتعلق به خطوة لا غنى عنها في رحلة التعافي من التعلق المرضي، حيث يتطلب تحررك من هذا التعلق شعورًا بالراحة والرضا عن نفسك دون الاعتماد على وجود طرف آخر. من خلال ذلك، سيقل اعتمادك على الآخرين للشعور بالأمان أو السعادة. هذا الاستقلال يجعلك أكثر قدرة على إقامة علاقات صحية ومتوازنة مع الآخرين. 

ولكي تتمكن من خلق هذا الكيان لنفسك، يجب عليك، عزيزي القارئ، أن تتبع الشروط التالية:

1- أن تستقل عاطفيًا: أي تكون قادرًا على تلبية احتياجاتك العاطفية بنفسك دون الاعتماد الزائد على الآخرين.

2- أن تُقدر ذاتك وتُنميها: أن تثق بنفسك وتُقدرها دون الحاجة إلى التحقق المستمر من كيفية رؤية الآخرين لك، وتعمل على تطوير مهاراتك الشخصية حتى تعزز من قدرتك على مواجهة التحديات دون الحاجة لأشخاص آخرين.

3- أن تضع لنفسك أهدافًا شخصية: حدد أهدافًا ترغب في تحقيقها، مستقلًا عن  تأثيرات الآخرين أو احتياجاتهم.

هذه الخطوات ستساعدك على بناء علاقة صحية مع نفسك ومن ثم تحقيق توازن أفضل في علاقاتك الشخصية.

  • وسّع دائرتك الاجتماعية 

من الضروري أن تُكّون علاقات جديدة مع أشخاص آخرين، وأن تعود للتواصل مجددًا مع الأشخاص الذين انقطع بينك وبينهم الاتصال نتيجة لكونك كرست كل وقتك للشخص المُتعلق به فقط. يجب أن تتضمن حياتك أصدقاء وزملاء من العمل ومعارف بجانب العائلة، وأن تحد من تواصلك مع الطرف المُتعلق به، بحيث يكون تواصلك معه ضمن حدود معقولة. من خلال توسيع دائرة علاقاتك، ستتمكن من الحصول على المساعدة والدعم الذي تحتاجه لتحرير نفسك من التعلق السام. يمكنك تكوين صداقات وعلاقات جديدة عبر الانخراط في المجتمع وممارسة الأنشطة والهوايات والرياضة. الفيصل هنا هو منح الآخرين مساحة أكبر في حياتك. مما سيقلل كثيرًا من درجة تعلقك.

  • لا تستعجل النتائج

تحريرك من التعلق المرضي هو رحلة تتطلب منك التزامًا وجهودًا مستمرة. لذا كن صبورًا مع نفسك، عزيزي القارئ، ولا تستسلم بسهولة. النتائج التي ستصل إليها تستحق بعض العناء، لكنك في النهاية ستجد نفسك أكثر استقلالية وسعادة.

لنختم القول بأن رحلتك نحو التعافي من التعلق المرضي هي رحلة شخصية ومهمة تستحق منك كل الجهد والصبر. ابدأ بخطوات صغيرة نحو بناء علاقات صحية ومتناغمة مع نفسك والآخرين، وستجد نفسك تدريجيًا تتحرر من الأعباء التي كانت تثقل كاهلك. تذكر، عزيزي القارئ، أنك تستحق حياة مليئة بالاستقلالية والسعادة، وأنت قادر على تحقيق ذلك. أنا هنا لدعمك في كل خطوة، وأريدك أن تبقى على ثقة بأن كل جهد تبذله الآن في تحسين نفسك سيعود عليك بالنفع في المستقبل. وفي النهاية، ستجد نفسك محاطًا بأشخاص يحبونك ويقدرونك كما أنت، وستكتسب قدرة أكبر على منح نفسك التقدير الذي تستحقه.

  • Share

1 Comments

  1. ضحى عاطف says:

    ❤️❤️

Leave a comment

Your email address will not be published.