الأسرة هي العمود الأساسي لبناء شخصية الفرد وتشكيل هويته، فهي مصدر الحماية والدعم العاطفي والمادي، فإذا نشأت في أسرة توفر لك عكس ذلك، إذاً فأنت تعاني من السمية الأسرية، العلاقات السامة في الأسرة من شأنها تدمير حياتك بأكملها، إن لم تتعلم كيف تتعامل معها بالشكل الصحيح، لأن تأثيرها السلبي على صحتك النفسية والعقلية يفوق قدرة استيعابك، فالشخص الذي يتعرض إلى سلوكيات مسيئة من أسرته، كالضرب، والإهانة، والتنمر، والانتقاد، وغيرها من أشكال الإساءة، بالتأكيد هو شخص وحيد، وحزين، وغير واثق من نفسه، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يعاني من مشكلات صحية مزمنة، ولن يتوقف تأثير الأسرة السامة على أفرادها عند ذلك فقط، بل سيمتد ويجعلهم يقعون فريسة للعلاقات السامة مع من حولهم أيضاً، وفي مقال اليوم، سنتناول سوياً تأثير السمية الأسرية على الأفراد، وكيف نتمكن من حماية أنفسنا وحدودنا للتغلب عليها.
علامات تشير إلى أنك في بيئة أسرية سامة
هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد أنك في بيئة أسرية سامة، أبرزها:
- العنف الجسدي
وفيه يتم إلحاق الأذى البدني بك أو بأحد أفراد الأسرة، والأبوين الذين يتبعون هذا الأسلوب في التعامل يتلخص مفهوم التربية لديهم في الضرب، بدلاً من الاستماع والنقاش، ويكون هذا هو الحل الأمثل لديهم للسيطرة عليك وإنهاء أي مشكلة.
- التواصل السلبي
ويشمل كل ما هو عدواني لكن بشكل لفظي، كالنقد الدائم لشخصيتك، والتقليل منها، والتنمر عليها، وكذلك الإهانات اللفظية، والتجاهل، وغيرها من أشكال التواصل السلبي التي تؤدي إلى انعدام الأمان والثقة داخل الأسرة.
- التحكم المفرط
أو ما يعرف بالتربية السلطوية، وهو أسلوب يتبعه الأبوين في التعامل، ويتمثل في فرض قيود صارمة عليك في كل ما يخص حياتك، ظناً منهم أنك من ضمن ممتلكاتهم، وأنهم بهذه الطريقة يوفرون لك الحماية الكافية، ويقومون بعقابك إذا لم تلتزم بتلك القيود، هذا الأسلوب له تأثيرات سلبية عديدة عليك من شأنها تدمير شخصيتك بالكامل، لأنك اتباعهم تلك الطريقة سيجعلك شخص غير واثق تماماً في نفسه، ولا يستطيع اتخاذ قرارات، وغير قادر على تكوين علاقات اجتماعية صحية مع الآخرين.
- التهديد المستمر
سيستخدم الأبوين السامين هذا الأسلوب معك عند رغبتهم في إجبارك على فعل أمور ضد إرادتك، كأن يهددوك بالإيذاء الجسدي أو النفسي أو الحرمان المادي، أو حتى تهديد بانسحابهم من دعمك ورعايتك، هذا الأسلوب يجعلك دائماً في حالة من التوتر خوفاً من أن يتم تنفيذ التهديدات التي تتلقاها منهم، مما يؤثر سلباً على صحتك النفسية والجسدية.
- التلاعب بالكلام والكذب
يتم استخدامهم بكثرة داخل الأسرة السامة، بهدف تحقيق مصالح للشخص السام، كأن يرغمك أبويك على اتخاذ قرارات تخدمهم هم في المقابل، أو أن يبرأوا نفسهم في مواقف ما كانت تدينهم، تؤثر تلك الأساليب عليك من ناحية أنها تجعلك لا تثق في أي شيء بسهولة، ولا تستطيع التفريق بين الحقيقة والخداع.
- انعدام الخصوصية
وهذا يرجع إلى عدم وجود حدود واضحة تفصل بينك وبين أفراد الأسرة، الأمر الذي يترتب عليه تدخلات كثيرة منهم في حياتك، مما يؤدي إلى شعورك دائماً بالتقيد وعدم الحرية والاستقلالية.
كيف تؤثر الأسر السامة على الاستقرار النفسي لأفرادها
الأسرة السامة هي بيئة خصبة لنمو مشكلات نفسية عديدة، هذه المشكلات قد يستمر أثرها داخل الفرد لسنوات، والعيش في مثل هذه البيئة يؤثر على النمو النفسي والعاطفي، وبشكل أكثر تفصيلاً سنتناول الآن أهم تلك التأثيرات:
- انعدام الثقة بالنفس
الأشخاص الذين نشأوا في أسر سامة لديهم مشكلة كبيرة بثقتهم في أنفسهم، لأنهم تعرضوا طوال نشأتهم إلى التقليل، والتحقير، وانعدام الدعم العاطفي، الذي يجعل الفرد منعزلاً ووحيداً، كما تعرضوا للانتقاد الدائم، الذي يجعل الفرد يشك في قيمته، ولا يؤمن بقدراته، بالإضافة إلى أن الأبوين السامين يضعون أبنائهم تحت ضغط دائم، بسبب التوقعات العالية التي يفرضوها عليهم، وعند عجز الأبناء عن الوفاء بتلك التوقعات، يتم وضعهم في مقارنة مع الآخرين، وبالتالي سيزداد شعورهم تجاه أنفسهم بالفشل والنقص، لأنهم من وجهة نظر أسرتهم ليسوا على درجة عالية من الكفاءة.
- عدم القدرة على تكوين علاقات اجتماعية
تعتبر هذه المشكلة من النتائج البديهية للنشأة في أسرة سامة، لأن مهارات التواصل الاجتماعي يتم اكتسابها وتقويتها من قبل الأشخاص المحيطين بالفرد، والأسرة السامة لا تمتلك المهارات الصحية، التي تجعل أبنائها ينمون اجتماعياً بالشكل الصحيح، بل ينشأ أبناء الأسرة السامة بفكر مشوه عن كيفية تكوين العلاقات، وتكون علاقاتهم مع الآخرين هشة وقابلة للانتهاء بمجرد حدوث أي خلاف، نظراً لكونهم لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم، ولا يتمكنون من حل الخلافات، بالإضافة إلى أنهم يميلون للانسحاب من المواقف التي تتطلب تفاعل اجتماعي، خوفاً من أن يتم رفضهم.
- الشعور الدائم بالذنب
وهذا من التأثيرات التي تتميز بها الأسر السامة، ويعرف بمصطلح “الابتزاز العاطفي”، وفيه يقوم الأبوين السامين بإلقاء اللوم على أبنائهم طوال الوقت، وإشعارهم أن تصرفاتهم المسيئة ما هي إلا نتيجة لأخطائهم، الأمر الذي ليس له أي أساس من الصحة، لأن هذه هي مجرد حيلة منهم للتلاعب نفسياً بهم، ومن ثم يستطيعا السيطرة عليهم.
- القلق والاكتئاب
العيش في بيئة سامة يخلق داخل الفرد مشاعر سلبية عديدة، تؤدي كلها إلى الشعور بالقلق والاكتئاب، فكيف للإنسان أن يعيش مطمئناً وهو محاط بأشخاص لا يشعر معهم بالأمان، وكيف يعيش مطمئناً وهو يشك بكل من حوله، نتيجة التلاعب والكذب الذي مر بهما من أشخاص كان من المفترض أنهما يمثلان الأمان لديه، فكل الأحداث التي مر بها ذلك الشخص تؤدي إلى شعوره بأنه لا يستحق الحب، الاحترام، أو الدعم، وكل ذلك يؤدي إلى تدني صورته الذاتية، وشعوره بالعجز، الأمر الذي سيوصله في نهاية المطاف إلى الشعور بالقلق والاكتئاب.
- تأثيرات جسدية
تتنوع التأثيرات الجسدية الناتجة عن العيش في أسرة سامة، فالتوتر والقلق المستمر، سيؤدي إلى أرق ومشكلات في النوم، كما يؤدي الإجهاد المزمن إلى حدوث ضعف بالمناعة، مما يجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، وكذلك ينعكس التعامل مع أشخاص سامين على شهية الفرد، فإما يمتنع عن الطعام فيخسر الكثير من الوزن، أو سيأكل بكميات كبيرة تجعله يكتسب وزناً كثيراً، كما يؤدي التوتر المزمن إلى الشعور المتكرر بالصداع، بما في ذلك الصداع النصفي.
خارج دائرة السمية: إرشادات التعافي من السمية الأسرية
لكي تتعافى من أثر الأسرة السامة وتنجو منها بأقل خسائر ممكنة، عليك اتباع تلك الإرشادات:
- الجأ إلى معالج نفسي
اللجوء إلى معالج مختص من شأنه مساعدتك كثيراً في تخطي المشاعر السلبية الناتجة عن العيش مع أسرة سامة، لأنه سيعرفك مهارات وطرق جديدة في التعامل معهم، ولأن المعالج المختص سيسمعك باهتمام بالغ وسيمشي معك خطوة بخطوة، حتى يتمكن من وضع يده على جذور المشكلة، وعندما يفعل ذلك سيبدأ معك استراتيجية التعافي، ويتابع معك تقدمك فيها، الالتزام مهم جداً في هذه الخطوة، سواء كان في توقيت زيارتك للمختص أو في استراتيجية العلاج نفسها، حتى تتمكن من الشعور بتغيير حقيقي داخلك.
- كون شبكة دعم
تكوين شبكة دعم أمر سيحتاج منك بعض الوقت، لكنه جزء لا يتجزأ من رحلة تعافيك، وهذه الشبكة تشمل أصدقائك ومعارفك الذين يمكن الاعتماد عليهم في مثل تلك المواقف، فهم ملاذ آمن يمكنك الحصول على الدعم العاطفي اللازم من خلالهم، بشرط أن يكونوا أشخاص عقلانيين و إيجابيين، حتى يتمكنوا فعلاً من مساعدتك، فحاول أن تقوي علاقاتك بالأشخاص الذين تتوفر بهم تلك الصفات، حتى تتيح لهم الفرصة للوقوف بجانبك والتخفيف عنك، فعندما تجد من يتقاسم معك ألمك ويمدك بطاقة إيجابية بدلاً عنه، ستشعر بأنك حقاً تتحسن من الداخل.
- قم بوضع حدود
وهذه الخطوة تنطوي على خطوات فرعية أخرى داخلها، وهي كالآتي:
- عليك أولاً أن تعرف ما تحتاجه نفسك بالضبط عزيزي القارئ، وهنا أقصد أن تجلس مع نفسك وتفكر، هل أنت بحاجة إلى مزيد من الخصوصية مثلاً؟ أم تحتاج إلى وقتاً أكثر تقضيه مع نفسك وتحد من تواصلك مع أفراد أسرتك؟ وعندما تحدد احتياجاتك بالضبط، سننتقل سوياً إلى الخطوة الثانية.
- في هذه الخطوة أطلب منك أن تتواصل معهم بكل صراحة ووضوح بشأن حدودك، وذلك يعني أنك ستجلس معهم، وتوضح حدودك بلهجة هادئة ومباشرة، وكن على استعداد للتعرض إلى السخرية والهجوم أثناء تلك الجلسة، لأنهم بنسبة كبيرة سيحاولون اختبار جديتك ومدى صلابة حدودك، فحاول أن تتماسك أمامهم، وتظهر فعلاً بصورة محددة ومباشرة، وقم بتوضيح أيضاً ما سيترتب على تجاوز تلك الحدود، ولا تقلق ولا تهتز من داخلك بشأن موقفهم، فهم مهما بدوا لك مستهترين بكلامك، فمن داخلهم هذه الجلسة ستكون بمثابة إنذار سيثير القلق في نفوسهم.
- اثبت على موقفك ولا تتأثر مهما حاولوا التعدي عليك وعلى حدودك، لأن الأشخاص الذين اعتادوا عليك بلا حدود واضحة، سيستفزهم جداً وجودها، وسيحاولون بشتى الطرق كسرها، حتى يعود الوضع كما كان من قبل، فكن مستيقظاً دائماً للدفاع عن حدودك، ولا تنس أن لديك شبكة دعم يمكنك الرجوع إليها، عندما تشعر بالضعف أو عندما لا تعلم كيف تتصرف، أذكرك مرة أخرى أنت لست وحدك عزيزي القارئ.
- اخلق عالم خاص بك
في هذه الخطوة أريد منك أن تختصر قدر الإمكان مع أسرتك، إن لم يتغير السلوك الذي يتبعوه حتى بعد تطبيق كل الخطوات السابقة، وأوصيك بتجنب كل النقاشات والأحاديث التي تعرف مسبقاً أنها بلا جدوى، وأطلب منك التركيز على هواياتك، وكل الأمور التي تشعرك بالسعادة، وأن تقضي أغلب وقتك تمارسها، وهذه الأمور ليست بالضرورة أن تكون كبيرة، يكفي فقط أنها تشعرك حقاً من الداخل بالسعادة.
وبهذا نكون قد وصلنا لنهاية حديثنا اليوم، أود أن أخبرك أني أشعر تماماً بك، وأعلم أنك حزين، لأن من المفترض أن تكون أسرتك هي الملاذ الخاص بك في الحياة، بينما أنت بسبب سميتهم تحاول الهروب، ولا تعلم إلى أين تذهب، لا بأس، عزيزي القارئ، ستتخطى هذه الأزمة، وستدرك أنها كانت مرحلة مؤقتة في حياتك وليست حياتك بأكملها، وهذه الظروف الصعبة التي تمر بها الآن، ستجعلك شخصاً أنضج وأكثر مسئولية، وبعد سنوات عديدة، ستفهم الحكمة وراء مرورك بتلك التجربة، وحتى يحين هذا الوقت، أريدك أن تطمئن وتهدأ، وأن تثق تماماً أن هذه المرحلة ليست نهاية حياتك، وإنما هي مجرد بداية لخلق شخص قوي وعظيم.
💯✨💕💕
برافو برافو برافو ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️
👏👏👏♥️♥️♥️
حقيقي كلام مهم جدااا فعلا ❤️ربنا يجعل اولادنا صالحين ويعيننا عليهم 🤍
♥️♥️