الأعراض الشائعة للاحتراق النفسي: كيف تعرف أنك مصاب؟

Posted on

الاحتراق النفسي هو ظاهرة نفسية أصبحت شائعة حالياً في مجتمعاتنا الحديثة، ظهرت نتيجة للضغوط والتحديات التي يواجهها كلاً منا بشكل يومي، فالبعض قد يتعجب من اسم المصطلح نفسه، لكنه يشير إلى الحالة التي يشعر بها الفرد بالمعنى الحرفي، فالإنسان مثله مثل أي شيء، قابل للاحتراق من الداخل، والمشكلة في هذه الظاهرة أن أعراضها تتشابه مع أعراض التوتر، إلى الحد الذي يجعل من الصعب التفريق بينهما، وأنها تؤثر أيضاً على الصحة النفسية للفرد، وعلى أدائه المهني والشخصي، وإن لم يتم تداركها والتعامل معها بالشكل الصحيح، فقد تصل بالفرد إلى الاكتئاب، لذا سنتطرق في هذا المقال إلى تعريف الاحتراق النفسي، وأعراضه، وأسبابه، وطرق الوقاية منه، لضمان تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والعملية، للحفاظ على صحة نفسية أفضل.

ما المقصود بالاحتراق النفسي

هو حالة من الإرهاق الشديد، قد يكون إرهاق عقلي، جسدي، أو عاطفي، ينجم عن الضغوط المتواصلة التي تتعرض لها بشكل يومي، وفيه تتردد داخلك الكثير من المشاعر السلبية مثل:

الإجهاد المستمر: تجد نفسك منهك طوال الوقت، حتى وإن أخذت قسطاً كافياً من الراحة.

مشكلات صحية: تشعر بآلام متفرقة في جسدك، كآلام المعدة والصداع.

فقدان الشغف: دائماً ما تكون محبط، وغير متحمس لأي شيء، سواء للعمل أو حتى للأمور التي اعتدت أنها تسعدك.

قلة الإنتاجية: تجد صعوبة في أداء المهام اليومية، مع انعدام التركيز فيها.

العزلة الاجتماعية: تود قضاء أغلب الوقت بمفردك، وتهرب من أي مواقف بها تجمعات مع الآخرين، سواء الأسرة أو الأصدقاء.

مؤشرات وجود الاحتراق النفسي:

تنقسم أعراض الاحتراق النفسي إلى ثلاثة فئات، كل فئة لها التغيرات السلبية الخاصة بها، وعلى الرغم من أن الإرهاق هو السمة الرئيسية التي تدل على وجود الاحتراق النفسي، إلا أنها وحدها ليست دليل قاطع على أنك تعاني منه، هذه الفئات هي:

  • أعراض الاحتراق النفسي الجسدية

 مثل: مشكلات الجهاز الهضمي، واضطرابات النوم، وآلام العضلات.

  • أعراض الاحتراق النفسي السلوكية

مثل: التهرب من التفاعلات الاجتماعية، وفقدان القدرة على التواصل مع الآخرين.

  • أعراض الاحتراق النفسي العاطفية

مثل: الشعور بالقلق والاكتئاب، وقلة الإنتاجية.

ما يفرق بين الاحتراق النفسي والتوتر

ما يفصل بين الاحتراق والتوتر على الرغم من تشابههما في كثير من الأعراض، أن التوتر أعراضه قصير المدى بينما الاحتراق النفسي طويل المدى، لكي أوضح لك الفرق أكثر عزيزي القارئ، عندما تمر بأزمة أو ضائقة ما، فأنت تشعر بالتوتر نتيجة لمرورك بتلك الأزمة، وفور انتهائها أو حلها، يزول من داخلك هذا الشعور، فهذا هو التوتر، يبدأ لسبب وينتهي بانتهاء هذا السبب، بينما الاحتراق النفسي تغيراته السلبية ستجدها مستمرة داخلك، فأنت مهما أنجزت، ومهما كانت حياتك مستقرة، تجد نفسك دائماً متعب من الداخل، ولا تشعر بأي إنجاز تحققه، ولا ترى أي أمل في حياتك، فأنت دائماً يائس ومتبلد المشاعر.

مسببات الاحتراق النفسي

وصولك لمرحلة الاحتراق، يؤكد أنك كنت تعاني منذ فترة لا بأس بها، لأن الاحتراق لا يحدث فجأة، بل هو أمر تدريجي يمر بعدة مراحل، ومسبباته كثيرة وبسيطة، لدرجة أنك لن تتوقع أن تلك الأشياء البسيطة التي اعتدت فعلها باستمرار، هي ما أوصلتك للاحتراق النفسي، وهذه الأسباب هي:

  • تصوراتك عن نفسك والآخرين

 هل كنت تتخيل عزيزي القارئ، أن تصورك عن نفسك ومن حولك، إن لم يكن تصور واقعي، فمن الممكن أن يصل بك للاحتراق النفسي؟ 

هيا نتذكر سوياً، كم مرة وضعت لنفسك توقعات مرتفعة جداً، إلى الحد الذي جعلك تحت ضغط مستمر طوال الوقت حتى تصل وتحقق تلك التوقعات؟ وكم مرة كوّنت في رأسك تصورات غير واقعية تماماً عن الآخرين، إلى الحد الذي جعلك تشعر بالحزن والصدمة، عندما يتبين لك أنهم عكس ذلك؟

فالتوقعات العالية تلعب دوراً كبيراً في التسبب بالاحتراق النفسي، لأنك كلما حاولت تحقيقها ولم تنجح في ذلك، يزداد شعورك بالفشل واليأس، وكل هذا مع تكراره سيجعلك لا تحترم ذاتك، الأمر الذي سيوصلك في النهاية للاحتراق النفسي.

  • عدم موازنتك بين العمل وحياتك الشخصية

 هذه النقطة ترتبط بالنقطة السابقة، لأن كونك شخص ذو توقعات عالية دائماً، هذا يجعلك تهتم بالعمل أكثر من أي شيء آخر، فبالتالي يأتي العمل على حساب حياتك الشخصية، ولا يكون هناك وقت للراحة أو الاسترخاء، وهذا يضعك طوال الوقت تحت ضغط، مما يؤدي للاحتراق النفسي.

  • سعيك للكمال

هذا النقطة حساسة بعض الشيء بالنسبة لي، دعني أصارحك عزيزي القارئ، أنا شخصياً أسعى لتحسين نفسي في هذا الجانب حتى الآن، على الرغم من أني تحسنت به كثيراً مقارنةً بالماضي، إلا أني لازلت أحاول مع نفسي، حتى أصل إلى المرحلة التي تجعلني أتقبل الأشياء بنواقصها، بلا ذرة لوم لنفسي، لأن حبي إلى أن يكون كل شيء مثالياً من حولي، وإتمام كل شيء في حياتي على أكمل وجه، كان يؤذيني ويؤرقني كثيراً، وأخذ مني وقتاً طويلاً كي أتطور به، لذا لا أريدك أن تمر بكل ما مررت به، أؤكد لك أن فكرة الكمال في حد ذاتها هي مجرد خرافة، ولن تصل إليه مهما حاولت، ولهذا أريدك فقط أن تتقبل الأشياء كما هي، حتى وإن لم تكن مثالية، مادمت تفعل ما بوسعك، هذا يكفي.

  • افتقارك للدعم الاجتماعي والعاطفي

عدم تلقيك للدعم من الآخرين له علاقة كبيرة بالاحتراق النفسي، فالإنسان بطبيعته يحب أن يُدعم، ويُقدر، فإن لم تتلقى ذلك من أسرتك، أو أصدقائك وزملائك، ستشعر بالوحدة، وسترغب بالانعزال، مما سيقودك للاحتراق.

دليلك للوقاية من الاحتراق النفسي

لكي تتجنب الإصابة بالاحتراق النفسي، يجب عليك أن تفصل بين العمل وحياتك الشخصية، وأن تجعل نفسك أولوية، وتُفضلها على كل شيء، وبإمكاني مساعدتك في ذلك، عزيزي القارئ، من خلال النصائح التالية:

  • حدد أولوياتك

وأعني بذلك أن تركز على الأهم فالمهم، ولا تشتت نفسك بين أكثر من شيء في نفس الوقت، حتى تتفادى الضغوط الغير ضرورية.

  •  نظم وقتك

قم بعمل جدول ليومك، هذا الجدول ينبغي أن يكون متوازن، بمعنى أن تخصص به أوقات للعمل أو للدراسة، وأوقات للراحة والاسترخاء في المقابل، فلا تجعل أوقات العمل تستحوذ على حياتك بالكامل، وتطغى على أوقات الراحة، أو تلغيها من الأساس، لأنك كلما أنجزت مهامك، وكافئت نفسك عليها، زادت إنتاجيتك.

  • ضع حدوداً مهنية

لا تعمل في أوقات تتجاوز ساعات عملك الأساسية، ولا تقم بأكثر مما تتطلبه طبيعة أو تخصص عملك، أي لا تكُن متاحاً طوال الوقت، وتعلم قول “لا” لما لا يناسبك، سواء من حيث التوقيت أو المضمون.

  • اهتم بصحتك الجسدية

من خلال حصولك على قسط كافٍ من النوم، وتناولك طعاماً صحياً، وممارستك للرياضة، إذ أن تلك الاهتمامات ستحسن مزاجك بشكل كبير، وستعطيك الطاقة الكافية التي ستجعلك قادر على مواجهة عناء اليوم.

  • مارس تقنيات الاسترخاء

الاسترخاء يعد وسيلة فعالة لتخفيف عبء اليوم، إذ يمكن لممارسة اليوغا، أو التأمل، أو تمارين التنفس العميق، أن تساعدك كثيراً في تهدئة ذهنك وجسمك، وبالتالي ستفصلك عن الضغوط اليومية التي تمر بها.

  • تواصل مع الآخرين

حاوط نفسك بأشخاص يدعمونك، ويُقدرونك، واحرص على أن يكون الجهد المبذول للحفاظ على علاقتكم، جهد متبادل، لأن ذلك سيمنحك القوة للتغلب على أي تحديات قد تواجهك، وسيخفف عنك الكثير، مما يقلل من خطر الإصابة بالاحتراق النفسي.

  • جرب شيئاً جديداً

حاول كل فترة أن تغتنم الفرصة لتجربة شيء لم تجربه من قبل، فالإنسان يحتاج إلى التجديد من حين إلى آخر، هذا سيشعرك بالحيوية والتجدد، كما أريدك أن تركز على هواياتك، وتخصص وقتاً لممارستها، هذا أيضاً سيفصلك عن الضغوط، ويجعلك تشعر أن حياتك بها قدر من المتعة، فهي ليست للعمل فقط، بل أنت تمارس الكثير من الأشياء، بشكل متوازن، وكلها تزيد من نموك الشخصي.

 

يؤسفني أننا وصلنا إلى نهاية مقال اليوم، ولكنني آمل أن تكون قد استفدت من المعلومات التي تشاركناها سوياً حول موضوع اليوم، لا تنسَ أن تأخذ هذه النصائح بعين الاعتبار، وتطبقها في حياتك اليومية، وتذكر دائماً، عزيزي القارئ، أن الاهتمام بصحتك النفسية لا يقل أهمية عن اهتمامك بأي جانب آخر من جوانب حياتك، فسعادتك ورفاهيتك هي الأهم، لذا خذ الوقت الكافي للعناية بنفسك من الداخل قبل الخارج، واخلق توازن بين عملك وحياتك الشخصية، ولا تتردد في طلب الدعم من الآخرين، أتمنى لك أياماً مليئة بالراحة والسلام، أشكرك على وقتك، وسنلتقي مجدداً في مقالات أخرى.

  • Share

0 Comments

Leave a comment

Your email address will not be published.