معًا ضد التنمر: نحو مجتمع أكثر تعاطفًا وتسامحًا

Posted on
معا ضد التنمر

التنمر هو سلوك عدواني مقصود ينطوي على استخدام القوة والإكراه رغبةً في إلحاق الأذى بشخص أو مجموعة من الأشخاص نفسيًا أو جسديًا أو اجتماعيًا. تتنوع أشكاله بين التنمر الجسدي، اللفظي، والإلكتروني. يحدث التنمر بشرط وجود عدم توازن في القوى بين المتنمر والضحية، حيث يستغل المتنمر قوته أو نفوذه في الإضرار بشخص آخر يكون أقل في القوة أو في قدرته على الدفاع عن نفسه. تتعدد سياقات التعرض للتنمر، فيمكن أن يحدث في أماكن العمل والمدارس، وعبر الإنترنت، أو حتى بالمنازل. 

يترك التنمر آثارًا نفسية طويلة الأمد على ضحاياه قد تصل في بعض الأحيان إلى الانتحار. وإن لم يصل الأمر إلى ذلك، فكيف سيستعيد الشخص الذي ترسخ لديه شعورًا بالدونية وأصابه القلق والاكتئاب نتيجة تعرضه للتنمر شعوره بالثقة، وكيف سيسترد سلامه النفسي؟

على صعيد هذه المسألة، نتناول في هذا المقال أهمية مناقشة هذه القضية حتى يتم الوقوف ضد هذه السلوكيات، بجانب التعرف على أسباب التنمر، أنواعه، آثاره، والتركيز على استراتيجيات منعه والوقاية منه. فمن خلال رفع مستوى الوعي بين الأفراد حول مخاطر التنمر، ودعم من تعرضوا له، سنتمكن من خلق مجتمع أكثر أمانًا يسوده الاحترام والتعاطف.

أشكال السلوك التنمري

يُعد التنمر ظاهرة سلبية تتجلى في أشكال متعددة، حيث يُعبر كل شكل عن سلوك عدواني يؤثر بشكل مختلف على الضحية. ورغم تنوع هذه الأشكال، فإن جميعها يهدف إلى إيذاء الآخرين نفسيًا أو جسديًا. لكي تتمكن، عزيزي القارئ، من فهم هذه الظاهرة بشكل أفضل، دعني أستعرض معك بالتفصيل أشكال التنمر وأنواعه.

1- التنمر اللفظي

يأتي التنمر اللفظي في مقدمة أشكال التنمر نظرًا لكونه أكثر الأشكال شيوعًا وتأثيرًا على الضحايا. يتمثل هذا النوع في استخدام المُعتدي للكلمات الجارحة والمُهينة كي يتسبب في أذى مادي ومعنوي للضحية. تتعدد صور هذا النوع وتشمل إلقاء الشتائم، الإهانات، والتعليقات الجارحة التي تهدف إلى التقليل من شأن الطرف الآخر والاستهزاء به. قد تتعلق هذه التعليقات بالمظهر، الدين، القدرات الشخصية، وغيرها. كما يتضمن التنمر اللفظي التهديدات المستمرة للضحية، إطلاق الألقاب عليها، وحتى السخرية التي تُقال بشكل يبدو بريئًا وهي تخفي وراءها رغبة في إيذاء الضحية، كل هذا يندرج تحت التنمر اللفظي. 

فيما يلي، سأشاركك، عزيزي القارئ، تجربتي الشخصية مع التنمر اللفظي، والتي آمل أن تُسلط الضوء أكثر على هذا الموضوع.

منذ صغري، عندما كنت في المدرسة، تعرضت للتنمر بسبب أنني كنت نحيفة للغاية، فكان زملائي لا يتوقفون عن مناداتي بألقاب كنت أكرهها. مرت الأيام، كبرت قليلًا وانتقلت إلى مدرسة أخرى، لكنني لم أتمكن من تخطي التنمر الذي تعرضت له بالمدرسة القديمة، لذا أصبحت أكره شكل جسدي. طوال فترة المدرسة، كنت أبحث عن طرق ووصفات لزيادة وزني، لأن ثقتي بنفسي كانت منعدمة بسبب تعليقات الآخرين. لم يتوقف الأمر عند المدرسة فقط، بل امتد إلى ممارستي للرياضة، فكان المدربون دائمًا ما يقولون لأمي أنني ضعيفة، أحتاج إلى أن أكل أكثر، وأن بعض الرياضات لا تُناسب طبيعة جسدي لأنها تحتاج أشخاصًا أقوى مني. فلك أن تتخيل كم المشاعر السلبية التي شعرت بها أثناء طفولتي، وكم الأفكار التي ترسخت في ذهني، والتي منها أن جسدي ليس كافيًا، وليس جميلًا. 

التخلص من آثار التنمر الذي تعرضت له طوال فترة طفولتي ومراهقتي لم يكن سهلًا أبدًا، بل أخذ مني سنوات حتى تمكنت من رؤية جسدي ووزني بنظرة مختلفة، وبنيت علاقة حب معهما. لكن هذه التجربة جعلتني أكثر تقبلًا لنفسي وللآخرين، كما جعلتني أكثر رحمة وتعاطفًا مع كل من حولي.

2- التنمر الجسدي

في هذا النوع يستغل المتنمر قوته البدنية في إلحاق الأذى الجسدي بالضحية. يتضمن التنمر الجسدي الضرب، الدفع، الركل، وغيرها من أشكال العنف الجسدي. ينتج عن هذا النوع آثار مؤلمة طويلة الأمد، حيث يكون الضرر جسديًا ونفسيًا. يتمثل الضرر النفسي في الشعور بالعجز والخوف وفقدان الثقة بالنفس، مما يجعل مواجهة هذا النوع من التنمر أولوية قصوى.

3- التنمر الاجتماعي

يقوم المُعتدي في هذا النوع باستبعاد الضحية من مجموعة اجتماعية أو أنشطة معينة، بهدف جعلها تشعر بأنها غير مقبولة اجتماعيًا، مما يؤدي بها إلى العزلة. يتم هذا النوع بطرق خفية وغير مباشرة، حيث يصعب على الضحية اكتشاف حقيقة أن هناك شخصًا ما وراء هذه الأفعال. يتم ذلك من خلال نشر الأكاذيب والشائعات حول الضحية، التلاعب بعلاقات الصداقة، والتجاهل المقصود. غالبًا ما يحدث في المدارس وأماكن العمل، ويؤدي إلى آثار نفسية عميقة مثل تدني ثقة الفرد بنفسه نتيجة لكونه منبوذًا وسط المجموعة.

4- التنمر الإلكتروني

هو نوع من التنمر يحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يهدف إلى تشويه سمعة الضحية من خلال إرسال التهديدات والرسائل المُسيئة لها، ونشر صور ومعلومات مضللة عنها. ما يميز هذا النوع هو سرعة انتشاره، وتخطيه حدود الزمان والمكان، حيث يمكن حدوثه في أي وقت وفي أي مكان. يؤثر التنمر الإلكتروني على الصحة النفسية للضحية بشكل كبير، حيث يجعلها تشعر بالاكتئاب والقلق والإحراج، وفي بعض الحالات قد تلجأ الضحية إلى إيذاء نفسها. 

5- التنمر العاطفي 

هو أحد أنواع التنمر التي يصعب اكتشافها، حيث يلجأ المُعتدي إلى سلوكيات غير مباشرة حتى يتسنى له الدخول إلى حياة الضحية بشكل تدريجي. من السلوكيات المستخدمة في هذا النوع الانتقاد المستمر، مما يؤدي إلى انخفاض ثقة الضحية بنفسها. كذلك التحكم والسيطرة على حياة الضحية إلى الدرجة التي تجعلها تشعر بالتقيُد والاستعباد. بالإضافة إلى اتباع أساليب التلاعب النفسي بهدف إرغام الضحية على القيام بأمور لا تريدها. كما يلجأ المُعتدي أيضًا إلى السخرية والتجاهل والتقليل من شأن مشاعر الضحية، مما يؤثر سلبًا على صورتها الشخصية واحترامها لذاتها.

ما الذي يقود إلى التنمر؟

تتعدد الدوافع الكامنة وراء ظاهرة التنمر. حيث تنشأ نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الفردية والاجتماعية. معرفتك لهذه الدوافع، عزيزي القارئ، سيجعلك تُدرك أن التنمر ما هو إلا مرآة تعكس المشكلات الداخلية التي يعاني منها المتنمر نفسه، وأن الأمر ليس له علاقة بقيمتك أو قوتك. يمكن تلخيص تلك الدوافع في الآتي:

  1. التعرض للعنف الأسري، فالأشخاص الذين نشأوا في بيئة أسرية يسودها العنف يتشكل لديهم اعتقاد بأن العدوانية هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأهداف والتواصل مع الآخرين.
  2. يمتلك المتنمرون شعورًا داخليًا بالنقص، لذلك يلجأون إلى التنمر كوسيلة لتعويض هذا الشعور. كما أن ثقتهم بأنفسهم معدومة، وإيذائهم للآخرين هو ما يُشعرهم بأنهم أكثر سيطرة وقوة.
  3. في بعض الأحيان، يكون الشخص المتنمر ضحية سابقة للتنمر. لذا يحاول ممارسة نفس السلوك مع الآخرين بهدف الانتقام.
  4. قد يرغب شخص في الانتماء إلى مجموعة معينة، مما يدفعه إلى التنمر على الآخرين في محاولة لكسب رضا تلك المجموعة وتعزيز مكانته فيها.
  5. قد يتعرض الشخص لضغوطات من المحيطين به كالعائلة والأصدقاء، حيث يُرغم على الانخراط في سلوكيات عدوانية على اعتبار أنه من خلال هذه السلوكيات يثبت ذاته أمام الآخرين، وأنه بهذه الطريقة سينال احترامهم.
  6. تقوم بعض وسائل الإعلام بالترويج إلى السلوكيات التهكمية والعنيفة على أساس أنها أمور مقبولة اجتماعيًا، مما يجعل الأشخاص الذين يتأثرون بسهولة بما يرونه يتبنون تلك السلوكيات دون وعي.
  7. نشأ التنمر أيضًا نتيجة للفروق الظاهرية مثل اللون، الوزن، الطول. مما يجعل المتنمرين يستغلون هذه الفوارق لإذلال وتهميش الآخرين الذين يكونون من وجهة نظرهم “مختلفين”.
  8. يحدث التنمر أيضًا بناءً على الفروق المادية والاجتماعية بين الأفراد، حيث يستهدف الأشخاص الأقل في المستوى المادي أو الاجتماعي، والأشخاص الأكثر ثراءً.
  9. بالإضافة إلى ذلك، أدى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي إلى تسهيل التنمر على الآخرين إلكترونيًا، دون الكشف عن هويتهم، ودون مواجهة الضحية بشكل مباشر.
  10. كما أن الغيرة من نجاحات الآخرين قد تدفع المتنمرين إلى محاولة تحطيم الشخص الذين يشعرون تجاهه بالغيرة.
  11. علاوة على ذلك، في البيئات التي تفتقر إلى الرقابة والقوانين الصارمة من قبل المسئولين، يزداد معدل ممارسة التنمر، إذ يشعر المتنمرون بأنهم أحرار وقادرون على التصرف دون قيود تمنعهم ودون عقاب.

التنمر وآثاره السلبية: كيف يعاني المتنمرون والضحايا؟

الآثار الناتجة عن التنمر تعد من أخطر العواقب التي يمكن أن يواجهها الفرد، فهي لا تنتهي فقط عند الأذى الفوري الذي يتعرض له، بل تتجاوز ذلك لتؤثر على صحته النفسية، علاقاته الاجتماعية، وتفاعلاته على المدى الطويل. إذ يترك التنمر ندوبًا عميقة في نفس الضحية، ويمتد تأثيره السلبي إلى المتنمر نفسه والمجتمع ككل. 

آثاره على الضحية

1- يعاني ضحايا التنمر من الشعور بالدونية وانعدام الثقة بالنفس نتيجة لمشاعر التحقير التي دائمًا ما يتعرضون لها.

2- التعرض للتنمر يؤدي بالضحية إلى العزلة الاجتماعية في نهاية المطاف، حيث تعجز عن التمييز بين الأشخاص الداعمين لها والأشخاص المعادين لها، مما يؤدي إلى الشعور بالانفصال عن الآخرين والوحدة.

3- التنمر المتكرر يؤدي لاضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب، ومع بعض الحالات قد يصل إلى الأفكار الانتحارية.

4- يواجه ضحايا التنمر اضطرابات في النوم والأكل، نتيجة الشعور الدائم بالخوف والقلق. مما يؤثر سلبًا على صحتهم الجسدية والنفسية.

5- في بعض الأحيان، يلجأ الضحايا إلى سلوكيات أكثر عدوانية كرد فعل على تعرضهم للتنمر.

6- كما يؤدي التعرض للتنمر إلى تدهور الأداء الأكاديمي والمهني للضحية، حيث تنخفض الرغبة في التركيز والمشاركة في أي عمل، مما يؤثر على الأداء بشكل عام.

آثاره على المتنمر

  1. يصبح المتنمر نفسه بمرور الوقت أكثر عنفًا، مما يؤثر على علاقاته بالآخرين ويؤدي به إلى مزيد من الصراعات.
  2. قد يعاني المتنمر في وقت لاحق من جلد الذات والشعور بالذنب نتيجة لسلوكه.
  3. يؤدي التنمر إلى تعرض المُعتدي إلى عقوبات ومشكلات قانونية في بعض الحالات.

استراتيجيات الوقاية ودعم الضحايا

إن كنت قد تعرضت للتنمر من قبل، عزيزي القارئ، فقد تشعر أن تلك التجربة لا يمكن تجاوزها، لكن الحقيقة هي أنه يمكن تخطيها بل وتحويلها إلى فرصة للنمو وتقبل الذات والتعاطف معها. هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكنك من خلالها التعامل مع التنمر بشكل إيجابي، ومن ثم يمكنك تجاوز آثار التنمر واستعادة ثقتك بنفسك. إليك تلك الاستراتيجيات:

1- ركز على بناء ثقتك بنفسك

ثقتك بنفسك هي درعك الواقي من التنمر، فهي التي ستُعينك على الوقوف بكل ثبات أمام محاولات الآخرين للنيل منك. عندما تكون واثقًا بنفسك وبقيمتك الشخصية، ستكون أقل تأثرًا بتعليقات الآخرين. وأنا أعلم، عزيزي القارئ، أن بناء الثقة بالنفس يستغرق وقتًا، وأنت تبحث عن حل تستطيع تطبيقه الآن وليس بعد فترة. لذا، دعني أُخبرك بشيء: هل سمعت عن التعبير الإنجليزي الذي يقول  “FAKE IT TILL YOU MAKE IT”؟ 

هذا التعبير يعني أنك عندما تود الوصول إلى شيء ما، كالثقة بالنفس، فعليك التظاهر بأنك واثقًا من نفسك بالفعل، إلى أن تصل إلى المرحلة التي تشعر فيها بثقة حقيقية من الداخل. في الحقيقة، أنا أؤمن بشدة بهذه المقولة. في بعض الأحيان، عندما يصعب عليّ الوصول إلى صفة معينة في شخصيتي، ألجأ لهذه الطريقة، وبعد فترة أجد أنني وصلت بالفعل إلى ما كنت أريده. وذلك يرجع إلى أنك عندما تقوم بشيء معين بشكل متكرر، وتُحدث نفسك بطريقة معينة باستمرار، فإن عقلك يبدأ في تصديق تلك الرسائل التي ترسلها له. بالتالي، يتحول التظاهر بالثقة إلى ثقة حقيقية. هذه الطريقة فعّالة ولها نتائج ملموسة لأن العقل يتأثر بما نكرره قولًا وفعلًا. فعندما تتصرف بثقة حتى وإن لم تشعر بها في البداية، ستبدأ تدريجيًا في التكيف مع هذا السلوك وتصبح الثقة جزءًا حقيقيًا من شخصيتك. تأكد، عزيزي القارئ، أن الثقة بالنفس ليست صفة يولد الإنسان بها، بل هي مهارة يمكن تحسينها مع الوقت.

2- دافع عن نفسك بذكاء

من الأمور أيضًا التي يجب أن تسعى لتطويرها مع الوقت هي الطريقة التي تدافع بها عن نفسك ضد المتنمرين. إذ يتحدد بناءً عليها كيفية مواجهتك للمواقف السلبية والتحديات. الدفاع عن النفس بالكلمات يعد فن وقوة، لكنه يتطلب التفكير الجيد والردود الذكية التي تعبر عن مشاعرك بطريقة مباشرة وهادئة.

عند التصدي للمتنمرين يجب أن تتعلم كيف تُعبر عن عدم قبولك لسلوكهم دون أن تكون عدوانيًا مثلهم. كي أوضح لك الفكرة أكثر، هل تعرف المثل الشهير الذي يقول “لا تصارع خنزيرًا في الوحل، فتتسخ أنت ويستمتع هو”؟ هذا ما أقصده بالضبط، عندما يتنمر عليك أحدهم، يجب أن ترد عليه بشكل يُفقده متعة الاستفزاز التي يسعى إليها، لأنه ينتظر منك ردة فعل غاضبة وعدوانية. بدلًا من ذلك، التزم بالهدوء والعقلانية، فهذا يُشعره بأن محاولاته للسيطرة عليك واستفزازك قد باءت بالفشل. بالتالي، سيفكر مائة مرة قبل أن يتنمر عليك مجددًا، وفي النهاية ستكون قد حافظت على كرامتك واحترامك لذاتك.

كما يمكنك أن تتعلم كيف تستخدم الفكاهة للتخفيف من حدة الموقف، إذ يمكن أن تكون ردود الفعل المرحة وسيلة فعّالة تحول بها الموقف إلى صالحك. بشرط أن تكون الفكاهة بناءة وليست سلبية تجاه الآخرين.

3- لا تلجأ إلى العزلة

من المهم جدًا ألا تعزل نفسك عن الآخرين بعد تعرضك للتنمر. بدلًا من ذلك، أحِط نفسك بأشخاص يتبنون نفس معتقداتك وأفكارك تجاه هذه الظاهرة، ويكسبونك ثقةً بنفسك. ولا تحتك بمن يرون أن هذا السلوك مقبولًا أو مضحكًا. وجود أشخاص داعمين حولك سيهون عليك الكثير، حيث ستشعر بالانتماء والأمان معهم، كما سيرفعون ثقتك بنفسك وستتعاونون معًا على التصدي للمتنمرين.

كما أخبرتك في السابق، أنا كنت قد تعرضت للتنمر بسبب جسدي النحيف، ما جعلني لا أنعزل حينها وساعدني على استعادة ثقتي هو دائرتي المحيطة، الذين دائمًا ما كانوا يخبرونني بأن جسدي جميل، وأنني أشبه عارضات الأزياء، وأن هناك الكثيرين الذين يتمنون أن يكونوا بنفس وزني. 

بالإضافة إلى أن الله كان يضع في طريقي أشخاصًا كانوا يدافعون عني. سأحكي لك موقفًا مررت به وأنا صغيرة ولازلت أتذكره حتى الآن. عندما كنت أذهب إلى “UCMAS”، وإن لم تكن تعرفه فهو مجموعة دروس للأطفال في مادة الرياضيات تؤخذ بهدف تعلم كيفية القيام بعمليات حسابية بسرعة ودون الحاجة إلى استخدام الآلة الحاسبة.

التحقت به لأنني كنت ضعيفة في الرياضيات ولا أحبها، وكان لي زميل دائمًا ما يطلق تعليقات سخيفة عليّ لأنني كنت أحل المسائل ببطء عن الجميع، وكثيرًا ما كنت أخطئ. كانت تعليقاته تُشعرني بالإحراج وسط المجموعة. إلى أن جاء يوم وطلبت منا المُعلمة حل مجموعة من المسائل الحسابية في وقت محدد، وكان هذا الشخص أول من انتهى من حل تلك المسائل قبل الوقت المحدد، وبينما كانت تُصحح له المُعلمة أجوبته، اكتشفت أنه يقوم بالحل بناءً على طريقة الحساب التقليدية، وليس بناءً على المنهج الذي نتعلمه خلال الدورة، وهذا ما كان يجعله أسرع في الحل من باقي المجموعة.

حينها فوجئت بالمُعلمة بعدما انتهت من تصحيح أجوبتي وهي تشكرني أمام الجميع على أمانتي في الحل، وعلى أنني لم ألجأ إلى الغش كي أكون الأسرع في المجموعة. كلماتها كان لها تأثير كبير عليّ هذا اليوم، فقد شعرت بالثقة والفخر على الرغم من أنني لم أكن الأسرع أو الأكثر تميزًا، إلا أن هذا الموقف مكنني من التغلب على التأثير السيء لتعليقات زميلي، كما جعلني أكثر ثقة بنفسي وقدراتي. لذا، لا تقلق، عزيزي القارئ، سيضعك الله في مواقف يُسخر لك فيها أشخاصًا يتركون أثرًا جيدًا فيك يساعدك في التغلب على التنمر.

4- كن حذرًا في استخدام التكنولوجيا

استخدامك للتكنولوجيا بحذر يعد وسيلة فعّالة للوقاية من التنمر الإلكتروني. إذ يجب عليك حماية خصوصيتك ومعلوماتك الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي. كما ينبغي عليك توخي الحذر عند التعامل مع الغرباء على الإنترنت، حيث يستخدم المتنمرون حسابات مزيفة لاستهداف ضحاياهم.

كما أنه من الأفضل عدم الرد على أي تعليقات مسيئة. في حال التعرض للتنمر الإلكتروني، قم بحظر المتنمر ثم احتفظ بالأدلة عن طريق أخذ لقطات شاشة للرسائل المسيئة كي تتمكن من اتخاذ الاجراءات القانونية ضده. كما أنصحك بتقليل الوقت الذي تقضيه على الإنترنت حتى تتجنب التأثير السلبي الناتج عنه على صحتك النفسية. وإذا وجدت أن التنمر الذي تعرضت له يؤثر على حياتك بأكملها، أنصحك بالاستعانة بمختص نفسي.

5- تجاهل عند الضرورة

في بعض الأحيان، يكون أفضل تصرف هو تجاهل المتنمر، خاصةً إذا كان هدفه الرئيسي هو إثارة رد فعل سلبي. هذا التجاهل يُضعف من استراتيجياته، حيث يجد أنه لا يحصل على الاستجابة التي يسعى إليها، مما يُفقده حماسه لمواصلة تنمره. ومع ذلك، من المهم أن تتذكر أن التجاهل لا يعني قبولك لهذا الفعل أو استسلامك له، وإنما هو وسيلة قوية للحفاظ على سلامك النفسي.

نستنتج مما سبق أن تعرضك للتنمر ليس خطأك، وأن هذا الفعل يعكس مشكلة في شخصية المتنمر وليس فيك. لذا، من المهم أن تتبنى نظرة إيجابية تجاه نفسك وتفهم أن مشاعر القوة والثقة تأتي من الداخل. عليك أن تعي أن التنمر لم ولن يحدد هويتك أو قيمتك. أنت أكبر بكثير من ذلك. كُن على ثقة أنك تستحق الاحترام، وأن لا شيء يُبرر إساءة الآخرين لك.  

سررت بوجودك هنا، عزيزي القارئ. أترقب عودتك لقراءة المزيد في المقالات القادمة.

  • Share

3 Comments

  1. Mayada Alaa says:

    Appreciated جدددااا 👏👌❤️

  2. Safaa says:

    مقال اكتر من رائع حبيبتي كلامك يدخل القلب و ميتزهقش منه ❤️

  3. ضحى عاطف says:

    خطير🥹♥️♥️

Leave a comment

Your email address will not be published.